التحريات - هل يمكن ان تكون عمادا لحكم --- تحمل قضائه ويتوسد بها كدليل على صحة الاتهام --- شاهد بنفسك ---- هذا المبحث --- ولادلالته .

لما كان الحكم الطعين قد رفع لواء التأييد للتحريات و اقوال مجريها وكفايتها وما اسفرت عنه على نحو ما اورده بمدوناته واتخذ عمدته فى قضائه بأدانه الطاعن تلك التحريات التى اعتبرها دليلا كاملا وعول عليها فى قضائه بالادانه كسند وحيد وأوحد فيما نسبه للطاعن من جرائم مع عدم موافقة ذلك لصحيح القانون حال كون التحريات لا تعدوا كونها رأيا لمجريها استمدها من مصادر غير محددة بما لا يمكن المحكمة من بسط رقابتها عليها وتقديرها والتعويل عليها كدليل فى الدعوى يمكن ان يسند به وحده اتهام , وقد عرفت محكمة النقض التحريات بأنها عملية تجميع للقرائن و الأمارات تفيد فى كشف حقيقة جريمة معينة و نسبتها إلى شخص معين (الطعن رقم 1558 لسنة 71 ق جلسة 4/5/2001 )
وقد قضت محكمة النقض فى العديد من احكامها بان التحريات وحدها لا تصلح دليلا اساسيا على ثبوت التهمة ولا يجوز اقامة الاحكام على مجرد راى محرر محضر التحريات او الضبط إذ أن الاحكام انما تبنى على الادلة التى يقتنع منها القاضى بادانه او براءه صادرا فيها عن عقيدة تحصيلها هو مستقلا فى تحصيل هذه العقيدة بنفسه لايشاركه فيها غيره ولا يصح فى القانون ان يدخل فى تكوين عقيدته بصحة التحريات التى اقام عليها قضاءه او عدم صحتها حكما لسواه والتحريات وحدها لا تصلح لان تكون قرينه او دليلا اساسيا على ثبوت التهمة لان ما تورده التحريات دون بيان مصدره لا يعدوا ان يكون مجرد رأى لقائلها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب الى ان يعرف مصدره ويتحقق القاضى منه و يبسط رقابتة عليه ويقدر قيمته من حيث صحته وفساده ومن هنا لا تعد التحريات دليلاً قولياً معتبراً لعدم بيان المصدر الذى الذى استقى منه تحرياته وحجبه بالمخالفة لقوله تعالى " ولا تكتموا الشهادة وانتم تعلمون " وفى ذلك تقول محكمة النقض فى واحد من عيون واحكامها :
ولما كان من المقرر ان الاحكام يجب ان تبنى على الادلة التى يقتنع منها القاضى بادانة المتهم او ببراءته صادرا فى ذلك عن عقيدة يحصلها هو بما يجريه من تحقيق مستقلا فى تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصح فى القانون ان يدخل فى تكوين عقيدته بصحة الواقعة التى اقام قضاءه عليها او بعدم صحتها حكما لسواه وانه وان كان الاصل ان للمحكمة ان تعول فى تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من ادلة طالما انها كانت مطروحة على بساط البحث الا انها لا تصلح وحدها لان تكون قرينه معينة او دليلا على ثبوت التهمة ولما كان الثابت ان ضابط المباحث لم يبين للمحكمة مصدر تحرياته لمعرفتها وما اذا كان من شانها ان تؤدى الى صحة ما انتهى اليه فانها بهذه المثابة لا تقدوا ان تكون مجرد راى لصاحبها تخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب الى ان يعرف مصدرها ويتحدد كنهها ويتحقق القاضى منها بنفسه حتى يستطيع ان يبسط رقابة على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته او فساده اتاجة فى الدعوى او عدم انتاجه واذا كانت المحكمة قد جعلت اساس اقتناعها راى محرر محضر التحريات فان حكمها يكون قد بنى على ما جعله الشاهد من تحريه لاعلى عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها فان ذلك مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يتعين معه نقضه والاحالة بعز حاجة الى بحث باقى ما يشيره الطاعن .
نقض 17/3/1983 – س 34/79/392
نقض 18/3/1968 س 19-62-334
ولا ينال من هذا النظر وصحته ما تساند اليه الحكم المطعون فيه وما اورد بمدوناته من تحصيل لشهادة مجرى التحريات متخذا منها دليلا كاملا وشهادة معتد بها فى قضائه بالادانة وذلك لكون شهادة مجرى التحريات التى اتخذ الحكم المطعون فيه منها اساس قضاء بادانة الطاعن الوحيد لا ينطبق عليها وصف الشهادة كما هى معرفة قانونا إذ أن الشاهد المعول على أقواله كدليل هو من أدرك الجريمة باحدى حواسة.
ومما لا شك فيه ان الدليل عموما والشهادة كفرع منه قد شغل شرائع السماء وشرائع الناس منذ عرفوا تطبيق القانون واختاروا لحل النزاع والمعضلات قضاء .. واذا كان للدليل قيمة فى ذاته على التعميم باعتباره قوام الاسناد ، فان للشهادة باعتبارها قوليا اهمية خاصة مردها انها عرضة باكثر من باقى الادلة للتزييف والتدليس والكذب والافتراء مكتوبة كانت او شفوية ام بالنقل او السماع وعلى ذلك الاهتمام فقد تلاقت شرائع الارض والسماء فيما تلاقت عليه على ان الادلة الصحيحة الجارية هى وحدها قوام الاسناد اما غيرها من الاستدلالات او قرائن لا تفيد الجزم والتعيين ولا تجرى مجرى الدليل .
وقد اتفق الصفة والقضاء من ناحية أخرى على انه لاغناء للاسناد الجنائى عن دليل واحد على الاقل قد يعزز وقد لا يعزز بقرائن او استدلالات ولكن توافر الدليل شرط لاقامة الاسناد ولا يقوم الاسناد يعتبر دليل .
يقول الدكتور / محمود مصطفى فى كتابة الاثبات فى المواد الجنائية فى القانون المقارن – " النظرية العامة – ط 1 سنه 1977 صـ43 وتحت عنوان الاستدلال والدليل يقول باطنه .
" من المسلم ان حكم الادانة يجب ان بينى على دليل على الاقل تقتنع به المحكمة بوقوع الجريمة من شخص معين ، فلا يجوز ان تبنى الادانة على مجرد الاستدلال فالاستدلال قديم عم الادلة ولكنه صلح ومدة سندا للادانة .
وقد عززت محكمة النقض هذا الراى باحكامها المستقر عليها من بانه :
يجب ان يتوافر لدية دليلا كاملا على الاقل ولا مانع من ان يعززه بالاستدلالات .
نقض 3/10/1990 مج احكا النقض س 11 رقم 122 صــ652
وقضى أيضا :
وان كان اساس الاحكام الجنائية هو حرية قاضى الموضوع فى تقدير الادلة القاعة فى الدعوى الا انه يرد على ذلك يقود منها ان يدلل القاضى اى بالدليل وليس بالاستدلال على صحة عقيدته فى اسباب حكمة بالادلة وليس بمحض قرائن او الاستدلالات تؤدى الى مارتبه عليها لا يشوبها خطا فى الاستدلالال او تناقض او تعادل .
نقض 2/4/1957 – س 8 – 93 – 352
الطعن رقم 5333 لسنه 73 ق تاريخ 18/2/2004
ومن ذلك ايضا ما جرت عليه احكام محكمة النقض من جواز الاستناد الى الاستدلالات ولكن لتعزيز ما ساقته المحكمة من ادلة فقضت بانة للمحكمة ان تقول فى عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة ( ققط ) لما ساقته من الادلة .
نقض 3/10/1960 س 11-122-652
وغنى عن البيان ان هذه القاعدة ليس مصادرة على حق وسلطة القاضى فى تكوين عقيدته من مصادرها التى يطمئن اليها فله كامل الحرية فى قبول الدليل كدليل او اطراحه وفى الاطمئنان الى القرينة كقرينه او العزوف عنها ، وفى قبول الاستدلال كاستدلال او رفضة وان قصارى الامر – ولا مصادره فيه – انه يشترط لا قامة الاسناد توافر دليل صحيح على الاقل تقتنع به المحكمة وعنه فارق بين الدليل ، وبين الاستدلال ، ويجب ان يكون الدليل صحيحا متولدا من اجراء صحيح وفى تعريف الشهادة تقول محكمة النقض انه :
الشهادة قانونا تقوم على اخبار شفوى يدلى به الشاهد فى مجلس القضاء بعد يمين يؤديها على الوجه الصحيح .
نقض 6/1/1964 – س 15 رقم 1 ص – 1
وقد استقر قضاء النقض من قديم على انه :
الشاهد الذى تبنى الاحكام الجنائية على اقواله هو من شاهد الواقعة المشهود بها عليها ، اما اراء الناس وتصوراتهم وتاويلاتهم وتعبيراتهم للاحداث فظنون لاتبنى عليها الادانه قط – والشهادة فى الاصل هى تقرير الشخص لما يكون قد رأه او سمعه بنفسه أو ادركه بحواسه على وجه العموم .
نقض 6/2/1978 – س 29 – 25 – 39

وجدير بالذكر أن محكمه النقض تنبسط رقابتها على صحه أستدلال المحكمه وصواب استنباطها للأدله المطروحه عليها فإذا كانت قد اعتمدت على دليل لا يجوز ان يؤسس قضاءها عليه فان حكمها يكون باطلا لإبتنائه على اساس فاسد اذ يتعين ان تكون كافه الأدله التى اقيم عليها قضاء الحكم وقد سلمت من عوار الفساد فى الأستدلال أو التعسف فى الأستنتاج وهو مالم يسلم منه الحكم الطعين ولهذا كان معيباً واجب النقض والإعاده .
نقض 23/2/1983 – س 34 – رقم 53 - ص 274 – طعن 6453 لسنه 52 ق
نقض 13/6/1985 – س 36 – رقم 138 – ص 782- طعن رقم 6335 لسنه 55 ق

وهديا بتلك المبادئ المستقرة التى درج عليها قضاء النقض وتواتر عليها بمبادئه قديما وحديثا فانه لامناص من القطع بان التحريات التى تساند اليها الحكم المطعون كسند وحيد وأوحد و شهادة مجرى التحريات لا يمكن قبولها قانونا او الاستدلال بها أو عدها بمثابة دليل لكونها لا تخرج بشأن الطاعن عن مجرد الترديد للتحريات التى لا ترقى لمرتبه الدليل ولا تعدوا تلك الشهادة فى جانب الطاعن سوى رأى شخصى لا يرقى الى مرتبة الدليل المعول عليه قانونا أستقاه مجرى التحريات من الغير ومن ثم فأنه يبين بوضوح تام لا لبس فيه ولا ابهام مدى عوار الحكم الطعين حين ركن الى تلك التحريات وشهادة مجريها كدليل كامل قانونا و تساند اليها فى قضاءه بالادانة بمفردها ولا يصح للحكم الطعين ان بينى عقيدته فى ادانة المتهم على راى لغيرة سيما وان الدليل القولى الوحيد الذى تساند إليه الحكم الطعين بشان واقعة التحريض على الجرائم موضوع الاتهام المتمثل فى شهادة جرجس سامى صبحى قد جاءت خلوا من ثمة ذكر للطاعن و أنما أسند الفعل لأخرين وينبنى على ذلك أن الحكم الطعين قد أقيم على أسباب لاتصلح لأن يؤسس عليها قضاءها الامر الذى يشوب الحكم بالبطلان لخلوه من الأسباب بما يعيبه ويوجب نقضه

تعليقات

المشاركات الشائعة